غزة/ دعاء الحطاب:
في خضم استمرار حرب الإبادة الاسرائيلية على قطاع غزة، وما خلفته من دمار واسع ومآس انسانية مروعة، ومشاهد الأطفال الهزلى وأجسادهم التي تحولت إلى هياكل عظمية تبثها وسائل الإعلام العالمية، يشهد العالم تحولاً متسارعاً في مسار التعاطي الغربي والأوروبي مع الحرب الإسرائيلية.
وتبدلت مواقف الدول الأوروبية ومنها الصديقة لـ"اسرائيل" من الدعم الصريح بعد السابع من أكتوبر، إلى التهديد بمقاطعات واتخاذ إجراءات ضدها، في حال لم توقف حرب الإبادة على القطاع.
ففي تحول لافت أطلقت كل من بريطانيا وفرنسا وكندا تحذيرات صريحة لـ "إسرائيل" مطالبة بوقف الحرب على غزة وإدخال المساعدات الإنسانية إلى سكانها، والذي اكد محللون لـ" الاستقلال" بأنه تحركاً غير مسبوق سياسياً، جاء بعد موجة متصاعدة ومستمرة في العواصم الأوروبية من التظاهرات والغضب الشعبي والرسمي.
كما دفع استمرار القتل والتدمير والإبادة وتفاقم المعاناة الإنسانية، دولاً أوروبية إلى إعادة النظر في دعمها لـ "إسرائيل"، وجعل الرئيس الأميركي دونالد ترامب يصعد من موقفه ضد نتنياهو، وصولاً إلى حد التهديد بالتخلي عنه وفق وسائل إعلام أميركية.
في حين وقعت 23 دولة أوروبية بياناً يطالب "إسرائيل" بإنهاء الحرب على غزة، فيما طالب 9 دول بالاتحاد الأوروبي، وقف التعاون العسكري والتجاري مع تل أبيب، بالإضافة إلى دراسة البرلمان الأوروبي لفرض عقوبات على الاحتلال.
وكذلك تشهد الساحة الدبلوماسية تحركات غربية متسارعة باتجاه الاعتراف بدولة فلسطين، في خطوات قد تترك تداعيات واسعة على العلاقات الدولية لإسرائيل، وتزيد من الضغوط على حكومة بنيامين نتنياهو لوقف الحرب في قطاع غزة.
وأعلنت 15 دولة غربية، من بينها فرنسا وبريطانيا وإسبانيا وهولندا، الأربعاء، أنها تدرس بشكل إيجابي الاعتراف الرسمي بالدولة الفلسطينية قبل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر/أيلول المقبل.
تحولات عميقة
المحلل والكاتب السياسي أحمد رفيق عوض، أكد أن المواقف الدولية الجديدة التي تبنتها دول أوروبية والمتمثلة في توقيع 23 دولة أوروبية بياناً يطالب "إسرائيل" بإنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، ومواقف الدول الثلاث الأخيرة، بريطانيا وفرنسا وكندا، تمثل تحولاً واضحاً في مسار التعاطي الغربي مع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
وقال عوض خلال حديثه للاستقلال":" أن هناك تحولات وتغيرات عميقة في مواقف الدول الأوروبية اتجاه الحرب على غزة، فمن الدعم الصريح بعد السابع من أكتوبر، إلى التهديد باتخاذ إجراءات ومقاطعات، وتطوير العلاقات مع فلسطين والدعوة الى الاعتراف بالدولة الفلسطينية".
وأضاف:" أن الانتقالات الهائلة بالمواقف الأوروبية ليست فقط بالشوارع إنما امتدت لتصل الأوساط السياسية والحكومية، لتأخذ أشكال التعاون السياسي ومحاولة حصار الاحتلال الإسرائيلي ورفع الشرعية عنه، فبعد أن كانوا حلفاء الأمس، أصبحوا ضاغطين بقوة اليوم، مطالبين بضرورة وقف وإنهاء حرب الإبادة المستمرة بغزة".
وأشار إلى أن التغيرات الجارية بالولايات المتحدة الأمريكية مختلفة قليلا ً، فهى تتعرض للقمع المستمر من قبل الإدارة الأمريكية التي تُساعد "اسرائيل" وتتبنى روايتها ووجهة نظرها بالدفاع عن نفسها.
وأوضح أن إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، وساعات وقف إطلاق النار التى سمتها إسرائيل بالإنسانية، جاءت نتيجة الضغوط الدولية الكبيرة ضد المجاعة والمشاهد المأساوية التى يعيشها القطاع.
ويتوقع أن تتعاظم التحركات الدولية وتتوسع اكثر فأكثر خلال الفترة القادمة، مما سيزيد الضغط على إسرائيل من أجل وقف الحرب وادخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع.
ويعتقد عوض أن الضغط الدولي سيأتي بنتائج حتى وإن لم تكن سريعة، فإسرائيل لن تقبل أن تبقي معزولة ومنبوذة طول الوقت، لأن ذلك سيعود عليها بخسائر كبيرة على مستوى الصورة والنموذج والعلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية والعلمية.
تسونامي سياسي
وبدوره، اعتبر المحلل والكاتب السياسي عصمت منصور، أن ما يجري من تحول لافت في مواقف الدول الأوروبية اتجاه وقف حرب الإبادة المستمرة بغزة، والمطالبة بادخال المساعدات الإنسانية، بالتوازي مع موجه الاعتراف بالدولة الفلسطينية حتى من قبل اصدقاء "اسرائيل" الغربيين، تسونامي سياسي يضرب كيان الاحتلال ورصيدها العالمي.
وأوضح منصور خلال حديثه لـ"الاستقلال"، أن المواقف الأوروبية الجديده، تعد تحركاً غير مسبوق سياسياً، جاء بعد موجة متصاعدة ومستمرة في العواصم الأوروبية من التظاهرات والغضب الشعبي والرسمي، التي تزامنت مع موجة ضغوط دولية، كل هذا يمثل لحظة فارقة في العلاقة بين "إسرائيل" وحلفائها الغربيين.
وبين أن التحرك الأوروبي رغم أنه جاء متأخراً إلا أنه يبدد كل الدعاية الإسرائيلية التى رافقت السابع من أكتوبر، والتى حاولت "اسرائيل" من خلالها أخذ تفويض لإبادة الفلسطينيين وارتكاب كافة المجازر بحقهم، لذا فهو مهم سياسيا للقضية الفلسطينية، ومهم ميدانياً كونه يعكس الحالة المأساوية التي يعيشها القطاع وضحايا الحرب والمجاعة.
ونوه إلى أن التحرك الأوروبي يُشجع دول أخري لمساندته ورفع أصوات النقد والادانة للمشاهد المأساوية التي تصدر من غزة، والاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهذا يأتي ردا على تصويت الكنيست والمواقف المعادية لحل الدولتين، مضيفاً :"نحن أمام تطور سياسي مهم وسيكون له انعكاسات على مستقبل الحرب وشكلها، وفيه استجابة لتطلعات شعبنا".
وأكد منصور، أن الموقف الأوروبي ضعيف أمام الموقف الأمريكي وتابع له، ونخشي أن يتم تفريغ هذه الاعترافات من مضمونها، لذا يجب أن تُترجم إلى خطوات سياسية عملية على الأرض من أجل إنصاف الشعب الفلسطيني.
وشدد على أن الأمر يحتاج من حركة حماس دون غيرها، إلى قراءة مسؤولة وعميقة، وأن تقابل التحركات الدولية بخطوة سياسية حكيمة لا تؤدي إلى إجهاض هذا الحراك الدولي السياسي والإعلامي، كما يتطلب من السلطة وحماس أن تتوافقا على برنامج وطني موحد يوسع الباب أمام العالم للاقتراب من قضيتنا.
هروب كاذب
ومن جانبه، يرى المختص بالشأن السياسي عدنان الصباح، أن موجة المواقف والاعترافات الأوروبية بالدولة الفلسطينية، مجرد هروب كاذب للأمام، وتأتي في سياق تخفيف الضغط المتصاعد من الشارع الأوروبي على حكوماته، ومحاولة تقديم الحد الأدنى مما يمكن وصفه بأنه "يدعم الشعب الفلسطيني".
واعتبر الصباح خلال حديثه لـ"الاستقلال"، أن هذه المواقف والاعترافات نتيجة مباشرة لصمود شعبنا في غزة والضفة وكل فلسطين، وإلى الهبّات الشعبية في العواصم الأوروبية التي دفعت الحكومات للتحرك إعلامياً بهدف تهدئة الرأي العام الأوروبي، وتأجيل الفعل المتصاعد بالشارع الفرنسي والبريطاني، كذلك لكسب المزيد من الوقت لصالح الاحتلال.
وتساءل عن سبب تأجيل بريطانيا التى أعطت وعد بلفور وسلبت من الشعب الفلسطيني حقوقه، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تحركهما حتى شهر سبتمبر؟، رغم وجود اقتراحات سابقة لعقد مؤتمر دولي في نيويورك تحت إشراف أطراف محايدة، آملًا أن تقود الخطوة لكسب المزيد من الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية.
وأشار إلى نتائج اجتماع نيويورك الذي جرى مؤخراً، التى تتحدث عن تسليم سلاح المقاومة وخروجها من القطاع، وإلغاء المقاومة الفلسطينية ، متسائلاً لماذا الاعتراف بالدولة الفلسطينية بدون مقاومتها؟ وما هي حدودها؟ وهل اعترفوا بالقدس عاصمة لها؟ وهل اعترفوا بقرار 181 القرار القانوني والدستوري الوحيد الذي يخضع للقانون الدولي والمعاير الدولية؟
وأكد أن الاعتراف بدولة فلسطين يجب أن يكون خطوة ضمن مسار حقيقي لإنهاء الاحتلال، وليس مجرد غطاء لتبرئة الضمير الأوروبي، لافتاً إلى ان هناك 149 دوله معترفة بدولة فلسطين ولم تغير شيء حتى الآن.
وشدد على أن الخطوات الفعلية التي تدفع لوقف الحرب على غزة، تتمثل بـ" وقف ارسال السلاح لدولة الاحتلال، وقطع العلاقات الدبلوماسية معه وسحب السفراء من إسرائيل، وتعليق العلاقات التجارية والاقتصادية بينهم، بالإضافة إلى ارسال قوات دولية لاجبار الاحتلال على إدخال المساعدات الإنسانية للقطاع ، كذلك أن يقوم مجلس الأمن بتنفيذ قرار وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات".
التعليقات : 0